"الصندوق الأسود" هو اسم يطلق على صندوقين لتسجيل البيانات الفنية على أجهزة الطائرات (وكذلك بعض القطارات والسفن)، والمحادثات بين أفراد طاقم الرحلة وبينه وبين جهات الاتصال الأخرى، وتساعد في الكشف عن أسباب الحوادث التي قد تتعرض لها الطائرة.
على الرغم من أن هذين الجهازين لا يستطيعان مساعدة الطيار أثناء الرحلة، إلا أنهما يتحولان - في حالة السقوط أو السقوط - إلى أكبر شاهد على ما حدث لها في الهواء، حيث تساعد البيانات والمعلومات التي سجلوها المحققين في معرفة السبب الحقيقي وراء السقوط، وتوضح ما إذا كان الحادث قد وقع بسبب عيب فني أو ظروف جوية أو عمل بشري.
نشأة الصندوق الأسود
اخترع عالم أبحاث الطيران الأسترالي ديفيد وارن (توفي في 19 يوليو 2010، عن عمر يناهز 85 عامًا) أول مسجل بيانات رحلة في عام 1956، بعد التحقيق في الحادث الغامض لأول طائرة ركاب مدنية في العالم في عام 1953.
ابتكر ديفيد وارين فكرة تصنيع جهاز مقاوم للصدمات والحرائق لتسجيل أصوات طاقم الرحلة وبيانات الأجهزة، لذلك صمم وصنع جهازه الذي أصبح يعرف باسم "الصندوق الأسود"، وبدءًا من عام 1960 أصبحت أستراليا أول دولة تجعل وجوده إلزاميًا في المعدات الفنية لجميع الطائرات التجارية.
في الحقيقة الطائرة تحتويان على صندوقين، وليس صندوق واحد، والحقيقة أيضًا أن لون هذين الصندوقين ليس أسودًا كما يوحي الوصف، بل قد يكونان أحمر أو أصفر أو برتقالي، بحيث يمكن لمن يبحث عنهما يمكن تمييزها من بين حطام الطائرة الذي يتكون عادة من آلاف القطع.
لا يقتصر استخدام الصندوق الأسود على الطائرات فحسب، بل يوجد أيضًا في وسائل النقل الجماعي الأخرى مثل السفن البحرية والقطارات لتسجيل جميع المعلومات المتعلقة برحلاتهم، خاصة في حالات الحوادث أو الكوارث.
مكونات الصندوق الأسود
ويتكون "الصندوق الأسود" من مسجلين يقعان في الجزء الخلفي من الطائرة، أحدهما نظري والآخر رقمي، يوثقان جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بالرحلة وظروفها والعقبات التي واجهتها من بدايتها إلى نهايتها، على الرغم من تشابههما في الهيكل الخارجي، إلا أنهما مختلفان في الهيكل والوظيفة.
أول صندوق أسود يسمى "مسجل الطائرة" (DFDR) يبلغ طوله 0.5 متر وعرضه 0.13 متر وارتفاعه 0.18 متر، وهو مصنوع من التيتانيوم لمنع اختراقه أو اهتزازه؛ حفاظاً على المعلومات المسجلة فيه ووحدة الذاكرة الخاصة به، ويمكنه أيضًا مقاومة الحرارة حتى 1100 درجة مئوية لمدة 30 دقيقة.
يستطيع هذا الصندوق تسجيل حوالي 3000 نوع من المعلومات والبيانات في وقت واحد من خلال أجهزة مراقبة المعلومات الموجودة داخل الطائرة، ولديه القدرة على متابعة التسجيل لأكثر من 25 ساعة.
أهمية الصندوق الأسود
تتمثل وظيفة الصندوق الأول في حفظ البيانات الرقمية للطائرة، مثل: الوقت والسرعة أثناء الرحلة والاتجاه في المسار والارتفاع ودرجة الحرارة خارج الطائرة وموقع الطائرة في الهواء وموقع الطيار الآلي والهبوط سرعة.
الصندوق الأسود الثاني، المسمى "Voice Recorder" (CVR)، يحتوي على شرائح لتسجيل جميع المحادثات التي تحدث داخل قمرة القيادة بين الطيار وطاقمه، أو بينه وبين أبراج التحكم، ويرصد أي أصوات تحدث في كابينة الركاب.
ويبدأ التسجيل من تشغيل الشبكة الكهربائية للطائرة حتى توقفها عن العمل ، بما في ذلك اهتزازات التردد 400 ميجاهرتز الصادرة عن هذه الشبكة 28 فولت، وأصوات مراوح التبريد والاهتزازات الضعيفة.
يتيح هذا الصندوق للمحققين في حوادث الطيران معرفة ما إذا كان الطيارون قد استشعروا وجود عيب قبل تحطم الطائرة وما هو نوعه، لأنه يسجل آخر الأحداث التي أدت إلى تحطم الطائرة، ويسمح بمقارنة معلوماته بمعلومات الصندوق الأسود الأول.
ما حجم ووزن الصندوق الأسود
الصندوقان كل منهما بحجم صندوق أحذية ويزن حوالي عشرة كيلوغرامات - مزودان بجهاز إرسال يعمل عندما تغمر الصناديق في الماء إذا سقطت الطائرة في البحر، حيث تنبعث منها اهتزازات ضوئية عالية التردد للمساعدة حدد موقعهم.
يمكن لمعدات البحث المتقدمة التقاط ضجيج هذه الاهتزازات بميكروفون ومحلل إشارة يصل عمقها إلى 6000 متر في قاع البحر، وفي غضون شهر من سقوط الطائرة في الماء، وهي الفترة التي تكون خلالها بطاريات الصندوقين يعملون قبل أن يتوقفوا عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
الصندوقان لديهما القدرة على التسجيل ما بين 30 و120 ساعة، ولكن بعد وقوع الحادث الجوي فإنهما يحتفظان بالساعتين الأخيرتين فقط من عمر الرحلة المشؤومة.
اقرأ أيضًا: بالفيديو: قصة إعلان الطيور التي تأكل من السيارة والمحرك المصنوع من سمّ الأفعى