تُعرف "الصناديق السوداء" بأنها أجهزة تسجل معلومات الطيران والبيانات الصوتية في قمرة القيادة، وهي أدوات حيوية في مجال الطيران. وعلى الرغم من اسمها، فإن الصناديق السوداء ليست سوداء اللون بل برتقالية زاهية لتسهيل العثور عليها في حالات الطوارئ. تتكون هذه الصناديق من جهازين رئيسيين: مسجل بيانات الرحلةFDR ومسجل صوت قمرة القيادة CVR.
مكونات ووظيفة الصناديق السوداء
يقوم مسجل بيانات الرحلة بتسجيل مجموعة متنوعة من المعلومات التقنية والوظيفية الخاصة بالطائرة. تشمل هذه البيانات السرعة الجوية، الارتفاع، الاتجاه، ومعدل التسارع. يعتمد FDR على مجموعة من المستشعرات المنتشرة في أنحاء الطائرة لجمع هذه المعلومات. تُخزن البيانات على شريط مغناطيسي أو ذاكرة، ما يضمن قدرتها على التحمل والبقاء سليمة حتى في الظروف القاسية.
هذا ويعمل مسجل صوت قمرة القيادة على تسجيل المحادثات والأصوات داخل القمرة تلك. يشمل ذلك المحادثات بين الطيارين، والاتصالات مع برج المراقبة، والأصوات الأخرى مثل التنبيهات الصوتية وأصوات المحركات. يُعد CVR أداة مهمة لتحليل الظروف التي سبقت الحوادث، حيث يساعد في فهم سلوك الطيارين وردود أفعالهم.
كيفية عمل الصناديق السوداء
تبدأ عملية تسجيل البيانات عند تشغيل الطائرة. يقوم FDR بجمع البيانات من مختلف أجهزة الاستشعار والمعدات الموجودة على الطائرة. تُنقل هذه البيانات إلى المسجل بشكل مستمر، حيث تُحدث عدة مرات في الثانية. من جهة أخرى، يقوم CVR بتسجيل الأصوات داخل قمرة القيادة باستخدام ميكروفونات مدمجة.
هذا وتُخزن البيانات التي يجمعها كل من FDR وCVR على وسائط تخزين مقاومة للتلف. في الطرز القديمة، كانت تُستخدم الأشرطة المغناطيسية، بينما تُستخدم في الطرز الحديثة ذاكرات الفلاش ذات السعة الكبيرة والقدرة على التحمل. تُصمم وسائط التخزين لتحمل الحرارة الشديدة، الصدمات، والضغط، ما يضمن بقاء البيانات سليمة حتى في أسوأ السيناريوهات.
حماية واسترجاع البيانات
تُصمم الصناديق السوداء لتحمل الظروف القاسية التي قد تتعرض لها في حال وقوع حادث. فهي تحتوي على طبقات متعددة من الحماية، تشمل غلافًا معدنيًا صلبًا ومادة عازلة للحرارة. تُصمم أيضًا لتحمل تواجدها في الماء لفترات طويلة، حيث يمكن أن تبقى سليمة تحت الماء لأكثر من 30 يومًا.
في حالة وقوع حادث، يكون العثور على الصناديق السوداء أولوية قصوى. تُجهز الصناديق السوداء بجهاز إرسال إشارات تحت الماءULB يعمل على إرسال إشارات صوتية تساعد فرق البحث على تحديد موقعها. بعد استرجاع الصناديق، تُنقل إلى مختبرات خاصة لتحليل البيانات.
أهمية الصناديق السوداء
تلعب الصناديق السوداء دورًا حاسمًا في تحسين سلامة الطيران. بعد وقوع حادث، يوفر تحليل البيانات المسجلة فهمًا دقيقًا للأحداث التي سبقت الحادث. يساعد هذا الفهم في تحديد الأسباب الجذرية للحوادث وتطوير إجراءات وتحسينات تهدف إلى منع وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.
بالرغم من الفوائد الكبيرة للصناديق السوداء، إلا أنها تواجه بعض التحديات. منها صعوبة العثور عليها في الأعماق البحرية أو في المناطق النائية. ومع تطور التكنولوجيا، تزداد المناقشات حول إمكانية استخدام البث الحي للبيانات كبديل للصناديق السوداء التقليدية. هذه التقنية يمكن أن تتيح مراقبة البيانات في الوقت الفعلي وتخزينها عن بعد، مما يسهل الوصول إليها في حالات الطوارئ.
تمثل الصناديق السوداء أدوات لا غنى عنها في مجال الطيران، حيث تساهم في تحسين سلامة الرحلات الجوية وتقديم بيانات حيوية لفهم أسباب الحوادث.
اقرأ أيضاً: ماذا يفعل الطيار عندما يتعطل المحرك أثناء الرحلة
