ماذا لو تهورك في القيادة سببه جرثومة؟

كلا، لستم في صدد قراءة مقال طبيّ في صفحة صحة وجمال، إنما موضوع مرتبط بعالم السيارات. لكن ما العلاقة ما بين البكتيريا والسيارات، وتحديداً في طريقة قيادتها؟  فهل دخلت صناعة السيارات عالم البيولوجيا؟ فماذا في التفاصيل؟

لفتني منذ عدة أسابيع دراسة لـجيروم بورني، صحافي متخصص في المواضيع الطبية، يعرفنا من خلالها إلى العالم المخيف والمذهل في آن لـ"Neuroparasitology". دراسة تتطرّق إلى الطفيليات التي تسيطر على الدماغ. لست هاوي عناكب ولا زواحف ولا حشرات، إلا أنّ ما كشفته تلك الدراسة مذهل، وارتباط الموضوع بعالم السيارات سيظهر في ما يأتي. سنبدأ ببعض الحشرات!

وفق هذه الدراسة، هناك نوع من الدبابير يضع بيضه على بطن العنكبوت. وعندما تظهر اليرقات، تفرج معها عن مادّة كيميائية تؤثر في "دماغ" العنكبوت، وتفرض عليها التوقف عن غزل الشبك، والعمل على تصنيع شرنقة. شرنقة بمثابة منزل لصغار الدبابير عندما تولد.

كذلك، توجد دودة معروفة باللغة الإنجليزية باسم "Liver Fluke"، تغزو دماغ النملة، من دون أن تتكاثر في داخلها، لأنها بحاجة إلى بيئة خاصّة لا يوفرها سوى أحشاء البقرة. لذلك، تقوم هذه الدودة بالسيطرة على دماغ النملة، وتحرك فيها الرغبة في تسلّق العشب، لكي تأكلها البقرة، ما يسمح لـ"Liver Fluke" التكاثر في أحشاء البقرة، فتتصرف النملة وكأنها تصرخ للبقرة وتدعوها لأكلها.

أما في ما خصّ النّحل،  فلا بد أنكم سمعتم بأن زوالها سيولّد نتائج وخيمة على الطبيعة. لن ندخل الآن في تفسير هذه النقطة بل سنكتفي بالقول إن أحد أسباب زوال النحل متجسّدة في neuroparasite"" تحمل اسم "apocephalus borealis". إنها ذبابة صغيرة تهجم على دماغ النحلة، وتضع  بيوضها في داخله. نتيجة ذلك، تبدأ النحلة بالتصرف بطريقة غريبة لم تعتد عليها من قبل. أضف إلى ذلك أن الـ ""neuroparasite هذه تسرع في تقصير حياة النحلة. إذاً، توفر النحلة  لـ "apocephalus boreali" البيئة المثالية للتكاثر. فعندما تموت الأولى، تخرج يرقات الثانية إلى الحياة، فتجد نفسها في موقع أو مكان عشوائي كانت النحلة قد توجّهت إليه. فبالإضافة إلى كونها الحاضن الأمثل ليرقات لـ ""apocephalus boreali، تشكّل النحلة وسيلة نقل لها، فتوصلها حيثما تذهب، ما يسمح بانتشار "مجتمع" ذبابة لـ ""apocephalus boreali. خطر فعلي يهدّد النحل، ما دفع بعض العلماء إلى القيام بدراسات خاصّة لمراقبة ومتابعة هذا  التهديد عن كثب، ولتدارك مخاطره، حماية لمجموعات النحل حول العالم. دراسات تدخل في إطار ما يسمّى: "ZomBee watch".

لكن ما علاقة هذا الموضوع بقيادة السيارة؟

الجواب: ظاهرة الـ "neuroparasite" ليست محصورة فقط بالعناكب والنمل والنحل إنما يمتدّ تأثيرها إلى الإنسان. بمعنى آخر، هناك البعض من الـ "neuroparasite" يلتقطها الإنسان، ومن بينها واحدة تحمل اسم "toxoplasma gondii"، وهي نوع من الطفيليات التي تجد لنفسها بيئة حاضنة في داخل الهررة، حتى الأليفة منها، وقد تنتقل عبرها إلى الإنسان. فالأشخاص الذين تسلّلت إليهم هذه الـ ""neuroparasite المعروفة بالعامية باسم Toxo معرضون لتغيّرات في التصرف. وأبرز تلك التغيرات تجسّد في بلورة رغبة عارمة في المجازفة ببعض التصرّفات، وفي بروز حال من السكيزيفرينيا والقيادة بطريقة متهورة.

هل هذا يعني أنّ كلّ أصحاب مخالفات السرعة يعانون من وجود الـ ""Toxo neuroparasite في داخل دماغهم، وتتحكم بتصرفاتهم؟ عملياً، ووفق ما أوردناه حول تحكّم الـ "neuroparasite" بالدماغ، فوجود الـToxo في داخلنا يعني أننا لا نتحكّم بكلّ رغباتنا وأفعالنا وتحوّلنا إلى مهووسي سرعة نجوب الطرق، وكأننا في غيبوبة مسيّرين من قبل طفيليات صغيرة. وانطلاقاً من هذا المبدأ، هل نحن غير مسؤولين عن مخالفات السرعة التي نرتكبها؟ وهل المحاكم تأخذ بالاعتبار نوعاً كهذا من التبرير؟ وهل يُشكّل الأمر حجة دفاع أساسيّة لنا، توفر علينا عناء تكبّد تكلفة المخالفات وعواقبها؟ تخيّلوا للحظة كيف ستكون ردة فعل شرطيّ سير قام بتوقيفكم نتيجة سرعة زائدة، عندما تبررون له أن مسبّب السرعة هو الـ "Toxo neuroparasite" التي تتحكم بدماغكم ولستم أسياد تصرفاتكم. وإذا كان من بين قراء هذا المقال محامين، فالرجاء مراسلتنا لمعرفة ما إذا كان هذا النوع من الدفاع مقبولاً أم لا. ومن أبرز حالات الـ "Toxo neuroparasite" نذكر حالة البروفسور ياروسلاف فليجر، من جامعة شارلز في براغ، الذي اكتشف أن هذه الـ "neuroparasite" موجودة في دماغه. ومنذ ذلك الوقت، شهدت تصرّفاته تغيّراً لافتاً، تمثل برغبة عجيبة في الوقوف لثوانٍ إضافية في وسط الطريق، أثناء تنقله سيراً من ضفة إلى أخرى. فتحوّلت دراساته وبحوثه بهذا الاتجاه لمعرفة المزيد عن هذه الجرثومة.

لا داعي للهلع، فتلك الجرثومة لا تتكاثر في داخل الإنسان، وكل هذه الفرضية هي تحليل منبثق من ما قيل في أول النص حول سيطرة الجراثيم على دماغ الحشرات والكائنات، وحول ما تسبّبه من تبديل وسيطرة على تصرفاتها. فلماذا استبعاد فرضية أن يحدث ذلك مع الإنسان؟ تخيّلوا للحظة كلّ ما قد يتأتى من نتائج، إذا استطاع الإنسان تبرير أخطائه من مخالفات سير وغيرها؟ فهل يبقى أحد مسؤولاً أمام القانون؟ سأكتفي بهذا الآن، تاركاً المجال لمخيّلتكم لتخيّل المزيد.

سيارات مواضيع حصرية
loaing icon