من العربات الحربية التي كانت سائدة لدى السومريين والمصريين القدامى، إلى عربات الخيل، إلى مركبات الدفع الذاتي، مروراً بالمركبات البخارية، ثمّ إلى العربات الكهربائية، وصولاً إلى السيّارات بمفهومها الحالي... كلّها مراحل طبعت أسماء الرجال على صعيد تطوّر هذه الصناعة، فتعدّدت آراؤهم وتعليقاتهم حول قيادة المرأة للسيارة. لكن الطريف في الأمر هو أنّ اسماً من هذه الأسماء قد نال شرف قيادة ما صنعت يداه للمرة الأولى.
ما لا يدركه كثيرون هو أن تاريخ المرأة وقيادة السيارات ليس وليد الأمس القريب، بل يعود إلى عام 3000 قبل الميلاد، حين كانت النساء السومريات، من حضارة بلاد ما بين النهرين، يقُدن العربات، بشهادة التماثيل والصور الكثيرة التي تؤكد ذلك. والأمر عينه كان سائداً لدى الحضارة المصرية القديمة.
لكن دور المرأة تغيّر عبر الزمن. ففي الحضارات القديمة، وبحسب الدراسات، كانت النساء يتمتّعن بأهميّة كبيرة، ويؤدّين دوراً بارزاً في مختلف المجالات. وتغيّر الأمر نوعاً ما في التاريخ البشري المعاصر، إذ برزت في العصر الحديث قصة "بيرثا رينجر"، زوجة "كارل بنز"، مؤسس شركة مرسيدس بنز، كأول امرأة قادت سيارة ذات محرّك احتراق داخليّ في عام 1886، علماً بأنّ المجتمع لم يكن يسمح بذلك.

وفي عام 1898، كانت الدوقة "آن دو روشوشوار دو مورتمار" (Anne de Rochechouart de Mortemart) - في الصورة اعلاه - الفرنسية أول امرأة في هذا البلد الأوروبي تحصل على رخصة قيادة، كما كانت أول امرأة حصلت على مخالفة مرورية بسبب تعدّيها السرعة القانونية، وذلك بعد شهرين فقط من حصولها على الرّخصة. وحتى عام 1914، لم تتهافت النساء على استخراج الرخصة. لكنّ عام 1976 شكّل نقطة تطوّر في فرنسا، حين تهافتت النساء على شراء السيّارات مثل الرجال...
أمّا في الوطن العربي، فقد ظهرت السيارات في القرن التاسع عشر. ولكن العادات والتقاليد المتّبعة في ذلك الوقت لم تسمح للمرأة بقيادة السيارات، واستمرّ الأمر على هذا المنوال حتى عام 1920، حين أصبحت "عباسية أحمد فرغلي" أول مصرّية وعربية تقود سيّارة.
نلاحظ أنّه مع تطوّر الفكر البشري، استعادت المرأة حقوقاً كانت قد فقدتها في الحضارات القديمة. لكن المملكة العربية السعودية بقيت البلد الوحيد في العالم، إلى تاريخ قريب، حيث تُمنع النساء من قيادة السيارات. وقد شكّلت هذه المسألة آراء متضاربة، وباتت قضية رأي عامّ. وبرغم أن نظام المرور السعودي لم يكن ينصّ على منع النساء من القيادة، فإنّ تراخيص القيادة كانت تصدر للرجال فقط. لكنّها اليوم، وبعد حصولها على حق القيادة، باتت المرأة السعودية موضوع تساؤل: فهل ستنافس الرجال في مهارات القيادة؟