ماذا يعني بيئياً التخلي عن سيارات البنزين والديزل؟

كان يمكن أن نكون أمام ثورة حقيقية في سياسات الطاقة والنقل والبيئة العالمية لو صحّ إعلان وزير التحول البيئي والتضامن الفرنسي، نيكولا هولو، أنّ فرنسا تعتزم حظر بيع سيارات البنزين والديزل بحلول عام 2040. فما مدى جديّة هذا الخيار؟ وهل البنية التحتية مهيَّئة لتبنّيه من دون تغيير مماثل في سياسات الطاقة والتنمية والتصنيع… ومن دون تغييرات جوهرية وثورية في الحضارة التي نعرفها، لا سيما في اقتصاد السوق؟

كان يُمكن لقرار التخلّي عن سيارات الديزل والبنزين، معطوفاً على إقرار قانون التحول الطاقوي الفرنسي، عام 2015، الذي يقضي بخفض الاعتماد على الطاقة النووية إلى حدود 50% بحلول عام 2025، ومعطوفاً على قرار ألماني بالخروج نهائياً من الطاقة النووية بحلول عام 2022، كان يمكن أن يعني أن العالم دخل في تحوّل استراتيجي في سياساته، وأنه يمكن أن تعود أوروبا لتأدية دور قيادي. وهذه المرة باتجاهات جديدة مناقضة لمقولات التقدم والتنمية التي تبناها العالم وأدّت إلى تدمير مناخه؟

استبدال السيارات؟

قال وزير البيئة الفرنسي الجديد نيكولا هولو، في مؤتمر صحافي حول خطة الحكومة الفرنسية بشأن المناخ: «نعلن وقف بيع سيارات البنزين والديزل بحلول 2040». وأعرب عن قناعته بقدرة شركات صناعة السيارات الفرنسية، لا سيما «رينو» و«بي أس إيه»، على الوفاء بهذا الالتزام الذي يندرج في أجندة الصحة العامة.

ووعد وزير البيئة بمنح مساعدة مالية للأسر الفرنسية من أصحاب الدخل المتواضع خلال الأشهر المقبلة حتى يمكنهم التخلّص من سياراتهم الملوثة وإحلال أخرى أنظف مكانها، موضحاً أنّ هذه الحوافز ستهدف إلى إحلال مركبات ديزل يعود تاريخ صنعها إلى ما قبل عام 1997 وسيارات بنزين إلى ما قبل 2001.

لكنّ المتابعين لهذه الملفات لا يأخذون هذه التعهدات على محمل الجدّ، أو ينظرون إليها بعين الشكّ، لا سيما من ناحية كيفية تفسيرها. فهل هذه التعهدات تعني استبدال السيارات وإحلال تكنولوجيا جديدة أم تجديدها؟ وأين ستذهب السيارات التي تجاوز عمرها خمس أو عشر سنوات؟ هل سيتم تصديرها إلى البلدان النامية؟

تقارير متضاربة

كانت دول أوروبية عدة قد كشفت سابقاً عن خطط للحدّ بشكل كبير من انبعاثات البنزين والديزل الملوّثة على الطرق لصالح مركبات تسير بالكهرباء بشكل كامل أو المركبات الهجينة التي تعتمد على الوقود والكهرباء، على حد سواء. فألمانيا كانت قد أعلنت أنها ستسيّر مليون سيارة كهربائية على طرقها بحلول عام 2020.

وتحدّثت تقارير حديثة عن أنّ نسبة السيارات الكهربائية والهجينة في عام 2016 بلغت 3,6% من السيارات الجديدة المسجّلة في غرب أوروبا، فيما أشار تقرير آخر صادر عن الهيئة العالمية للطاقة إلى أن مبيعات السيارات الهجينة والكهربائية حول العالم تجاوزت 2 مليون سيارة، منها 750 ألف سيارة بيعت العام الماضي فقط.

إلى ذلك، تذكر تقارير أخرى أنّ عام 2016 كان عاماً رائعاً بالنسبة إلى السيارات الهجينة والكهربائية، والتي زادت مبيعاتها بنسبة 72% مقارنة بعام 2015، وأنّ السوق الصينية قد احتلّت الصدارة في عدد السيارات المباعة، إذ تملك حوالى 600 ألف سيارة كهربائية، بينما تأتي السوق الأمريكية ثانياً، فاليابانية ثالثاً. وأشار التقرير إلى أنه بحلول عام 2030 ستكون حصة السيارات الكهربائية ما يعادل 30% من إجمالي السوق! وإذ يعتبر البعض أن هذه التقارير مبالغ فيها بعض الشيء، تذكر تقارير أخرى أكثر واقعية أن السيارات الكهربائية لا تزال تمتلك حصّة صغيرة في الأسواق العالمية للسيارات. وتُعتبر النرويج في المركز الأول عالمياً بحسب حصّة السيارات الكهربائية في السوق التي تحتضن أكثر من 7% من إجمالي السيارات على الطرق، بينما حلّت هولندا ثانياً بواقع 6.4%، والسويد ثالثاً بواقع 3.4% من السيارات.

صديقة للبيئة... ولكن

يتحفظ بعض المتعمّقين في الدراسات البيئية على المبالغات في الترويج لهذا النوع من السيارات المصنّفة "صديقة للبيئة"، لا سيّما تلك تعمل على الكهرباء، والتي لا تزال أسعارها مرتفعة جداً وغير تنافسية، والتي تحتاج إلى بطاريّات عمرها قصير وإلى محطات خاصّة وبنية تحتية للتزوّد بالطاقة. كذلك سجّلت تحفّظات على سيارات الهيبريد التي تدمج بين البنزين والكهرباء، والتي تعمل إذا سارت بانتظام وبسرعة بطيئة. أمّا إذا تجاوزت سرعتها 80 كلم/ساعة، فهي تتحول إلى البنزين تلقائياً. وتتخوف الأوساط نفسها، وفي ظلّ توجّهات دولية للدول المصنعة للسيارات باتجاه تغيير التكنولوجيا، أن تتحوّل البلدان النامية والمستوردة بكثرة للسيارات إلى مزبلة التكنولوجيا القديمة.

سيارات مواضيع حصرية
loaing icon