عندما تتحدّث السيارات في ما هي سلامة الإنسان

يشقّ سائق مساره على طريق يسلكها، فتصادفه شاحنة تحجب مدى رؤيته، فيحيد عنها و... حفيف إطارات مدوّ، جرّاء كبح مفاجئ تسبّبت به سيارة خفّفت نمط سيرها بسبب مطبّ و... حادث؛ لأنّ الوقت لم يكن كافياً لردة فعل مناسبة من جانب السائق، الذي يقود السيارة الآتية من الخلف. الوقت عامل انكب الباحثون في عالم صناعة السيارات على زيادته، بغية إفساح المجال أمام السائقين لتفادي وقوع حادث سير. ذلك كان عبر ابتكار نظام خاصّ بالسيارات، يسمح لها بتقييم العناصر المحيطة بها والتواصل في ما بينها ومع محيطها أيضاً، لتنبيه السائق إلى وجود عراقيل أو مخاطر ليس على دراية بها. فهل اقترب اليوم الذي تختفي فيه عبارة حادث من قاموس السير؟ ماذا في التفاصيل؟

تحمل هذه التكنولوجيا تسمية Vehicle to Vehicle Communication) V2V)، ومن خصائصها أنها تزوّد السائق بمعلومات عن أوضاع السيارات الأخرى، مثل مخالفتها الإشارات المرورية أو مرور شاحنة في الزاوية العمياء للسائق وغير ذلك، بالإضافة إلى موقعها في محيطه، لتُتيح له بذلك وقتاً أكثر للتفكير والقيام بالمناورات المناسبة لإنقاذه من حادث كان محتّماً لولا وجود هذا النظام.

وقد بدأت "جوجل" بتجربة هذا النظام على سيارتها، التي تقود نفسها بنفسها، كما بدأ باحثون في جامعة ميشيغان في معهد بحوث النقل، بالتعاون مع خبراء في النظم المعلوماتية والإلكترونية، بالإضافة إلى مسؤولين حكوميين، دراسة إمكانية تزويد السيارات رسمياً بهذا النظام الجديد. ووفق الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة الأمريكية التابعة لوزارة النقل الأمريكية، والمعروفة باسم NHTSA، فإن نظام الـV2V لن يزيد على إجماليّ ثمن السيارة إلا 350 دولاراً. لكنّ من المتوقع أن ينخفض ثمن النظام بحلول عام 2020، بسبب وفرة انتشاره.

في الوقت الحالي، هناك حوالى 3000 سيارة يقودها متطوّعون، يختبرون نظام الـV2V، ويتجوّلون بشكل سريّ على بعض طرقات ميشيغان، حيث المعهد التابع للجامعة، والذي وضع النظام قيد التجربة. الهدف من هذه التجربة هو توثيق أكبر كمّ ممكن من المعطيات والمعلومات المتعلقة بطريقة تجاوب التواصل في ما بين السيارات المجهّزة بهذا النظام. إذاً، يتمّ اختبار النظام في ظروف طبيعيّة وحقيقيّة، حيث يزوّد السائق معلومات متعلقة بالسرعة، والاتجاه، وغيرها من المعلومات الخاصة بالمركبات المحيطة به. ويقوم نظام الـV2V باحتساب فرضيّات يستحيل على العيون الإلكترونية استشعارها. تخيّلوا للحظة أن نظام الـVehicle to Vehicle Communication يستشعر تحرّكات مركبات لا يراها السائق، بسبب وجودها أمام عدد كبير من السيارات، فيحلّلها ويقدّم إلى السائق المعطيات اللازمة التي ستدفعه إلى القيام بالمناورة المناسبة لإنقاذه من حادث سير.

هذا في ما يتعلّق بتجهيز السيارات. أما الطرق، فلها أيضاً نصيبها من هذه التكنولوجيا الحديثة. بمعنى آخر، هذه التكنولوجيا اللاسلكيّة التي تسمح للسيارات بتبادل المعلومات في ما بينها، ستنتقل إلى إشارات السير وحال الطرق، أي إلى تبادل المعلومات ما بين الطرق والسيارات. عندها، لن تقتصر المعلومات التي ستوفرها الطرق على نقاط الازدحام والورش فحسب، بل ستتخطاها إلى حدّ إبلاغ السائق بخطر انزلاق في منطقة محدّدة من الطريق مع تزويد السائق بمعلومات عن بُعد تلك النقطة عنه، ليتسنى له الوقت الكافي للتفكير بطريقة تمكّنه من تجاوزه بسلامة. أضف إلى ذلك قدرة النظام على إطلاعك على الوقت المتبقّي قبل أن تتحول إشارة السير إلى اللون الأخضر، وعلى السرعة التي يجب أن تعتمدها لكي لا تتوقف بتاتاً عند الإشارة، ما يؤمن سلاسة السير ويلغي الازدحام ويقلّل من انبعثات ثاني أوكسيد الكربون ويخفف من استهلاك الوقود، لأن المركبة ستسير حينها بدوران منخفض للمحرّك، كما أنّ السائق لن يحتاج إلى الانطلاق من الصفر عند كل إشارة حمراء.

الجديد في هذا النظام أنه أرسى توجّهاً جديداً في تكنولوجيا السيارات. وبعكس ما نشهده حالياً، سيعمل صانعو السيارات على تطوير أنظمة تساعد السائق على تفادي حادث، وليس العمل على تكنولوجيا تؤمن خروج السائق بسلامة من الحادث، ما سينعكس إيجاباً على السلامة المرورية من ناحية التخفيف بشكل جذريّ من حوادث السير حتى تلك المتعلقة بالمشاة، كما أنّ التواصل مع الإشارات والحالات المتوافرة على الطرق سيسمح للسائق باعتماد أسلوب أو بالأحرى فلسفة وثقافة جديدة في القيادة، تحميه من الخطر، وتساعده في المحافظة على البيئة المحيطة به. فما عجز الإنسان عن تعليمه لأخيه الإنسان، استطاعت التكنولوجيا فرضه عندما تتحدّث السيارات. إنها قفزة نوعية في مجال السلامة المرورية وسلامة الإنسان.

سيارات مواضيع حصرية
loaing icon