بريتلينغ... ما بين الأرض والسماء

يستغرب البعض الحديث عن بريتلينغ في صفحة متخصصة بالسيارات، برغم ارتباط هذا الاسم بعالم المحركات قديم. فمنذ عام 1884 تصنع بريتلينغ ساعات "كرونوغراف" Chronograph للاستخدام في قياس وقت دورات السباق وتوقيت سرعة السيارات الرياضية المشاركة فيها. وقد دخلت في صناعة الطائرات عبر تزويد بعضها بعدادات لقراءة الوقت، والسرعة، والارتفاع عن سطح الأرض، والضغط الجويّ، وغير ذلك من المعلومات الأساسية للطيران، فأدّت دوراً في صناعة السيارات، من خلال تجهيز مؤشرات وعدّادات لوحة القيادة في داخل مقصورة طرازات بنتلي منذ عام 2003.

إقلاع، فتحليق فـ... مناورات بهلوانية على إيقاع نغمات صوت محرك الطائرات، تواكبه على الأرض موسيقى تشويقية حماسيّة، تكسر سكوت الذهول الذي حاك طريقه بين دهشة الجمهور. مناورات تتشابك، وتتقاطع، وتتعانق، وتتواجه|، وتتفارق خلالها الطائرات بسرعة تناهز الـ700 كلم/ساعة، كأنها تؤدي رقصة بإحساس مرهف راق، وأداء محترف يتميّز بدقة عالية في الخطوات، تماثل دقة بريتلينغ في صناعة الساعات. مناورات تشبه بروعتها عروض الباليه، وإن لم تكن هنا من تصميم رئيس فريق بريتلينغ الطيار "جاك بوثلان" (Jacques Bothelin). مناورات راقصة داعب خلالها الطيارون الموت، وتحدّوا الخوف بأخطر الأساليب. ويتخلل العرض تشكيلات جوية تمثلت في تحليق جماعيّ جامد للطائرات، أثبتت مدى تجانس أعضاء الفريق. تشكيلات حملت أسماء "Avenger" و"Arrow head" و"Blackbird" و" Crossbow" و"Rocket" و"Black diamond"، لتماثل أسماء الساعات لدى الصانع السويسري بريتلينغ.

أما في ما يخصّ طائرات الفريق وما يميّزها، وفق بوثلان الذي حاورناه فإنها من طراز L-39C Albatros تشيكية المنشأ، كانت تستخدم لغايات تدريب لدى القوى الجوية أيام الاتحاد السوفياتي. صنع منها نحو 3000 وحدة تمّ توزيعها على أغلب الدول الحليفة للاتحاد السوفياتي. وبعد نهاية الحرب الباردة، أصبحت معروضة للبيع، ما سمح لهم بشراء 10 منها بحالة جيدة. أما ما يميّزها من غيرها فهو مظهرها الخارجيّ، وصيانتها السهلة، وأداؤها المرضي، كما أن تكلفة تشغيلها أقلّ من طرازات أخرى. وتبلغ سرعتها القصوى أثناء الطيران المستقيم 750 كلم/ساعة، وعند الهبوط بالمقدمة 910 كلم/ساعة. ويمكنها أن تحلق على ارتفاع 11000 متر. أما الضغط عند الانطلاق فيبلغ 1800 كلغ، والكتلة أثناء الأداء 4000 كلغ . وقوة الجاذبية القصوى التي يشعر بها الطيار أثناء المناورات قد تبلغ 8G، ما يعادل ثماني مرات الضغط الجوي. وطولها 1213 سم، وطول جانحها 946 سم.

سألناه: لماذا لم تلتحق بدورية الاستعراض الجوي الفرنسي (Patrouille de France)؟ ولماذا أسست هذا الفريق؟

أجاب: كان هدفي أن ألتحق بالقوة الجوية العسكرية الفرنسية غير أنني لم أنجح في امتحان النظر، ما منعني من خوض غمار هذا المجال. لكنني بحثت عن طريق بديلة لتحقيق حلمي، فتعلمت الطيران الأكروباتي، ودخلت بطولات كثيرة، بالرغم من أنها كانت مكلفة جداً، ولم يكن أمامي سوى دخول عالم الاستعراض الجوي. وهو أمر مستحيل التحقيق، إذا لم تكن قد أحرزت بطولات في الطيران الأكروباتي. فكان لا بد من تأسيس شيء مميّز تمثل بفريق مدنيّ خاصّ بالاستعراض الأكروباتيكي الجوي. وخلال 20 عاماً، طوّرت مهاراتي إلى أن بلغت درجة الاحتراف. ومنذ 9 سنوات، طلبت مني بريتلينغ تشكيل أول فريق مدنيّ محترف للعروض الجوية الوحيد في العالم.

ما هي مواصفات الطيار الأكروباتيكي، وكيف يختار أعضاء فريقه؟

عليه أن يكون مهيّأ للعمل ضمن فريق، وألا يركّز على إبراز ذاته، وأن يقوم بدوره متناغماً مع الأعضاء الآخرين. ولهذا السبب، لا يظهر اسمه على الطائرة. إنّه مجرّد رقم يخدم مصلحة المجموعة، تماماً كما يحصل داخل أوركسترا سمفونية، حيث لا يبرز الموسيقي شخصياً إنما يضع موهبته في خدمة نجاح أداء الفرقة. وعليه أيضاً أن يحبّ السفر، وأن يكون حلمه وطموحه في الطيران.

إنها مهنة خطرة، فكيف تتعاملون مع الخوف وتحافظون على قيادتكم في هذه الرقصة مع الموت؟

ليس خوفاً إنما الحذر. نحن على علم أن مهنتا مدجّجة بالمخاطر والمجازفات. لذا، المطلوب هو إدارة جيدة للتخفيف من المخاطر. فعلى الطيار والفريق أن يقوما بصيانة مستمرة للطائرات والتأكد من سلامتها وصلاحيتها للطيران. وعلى الطيار أيضاً أن ينام بشكل جيّد قبل العرض، وأن يكون متزناً عاطفياً لتفادي "فشات الخلق" أثناء ممارسته مهماته. المطلوب منه أن يعرف إمكانات طائرته وسقف مهاراته لتفادي تخطّيهما بدخوله منطقة الخطر وتعريض فريقه للموت. التمرين المستمرّ جزء لا يتجزأ من خفض المخاطر. صحيح أنها مهنة خطرة، لكنها بالنسبة إلينا كأيّ خطر قد نواجهه أثناء القيام بأيّ عمل آخر.

ما هو مصدر إلهامكم في عملية ابتكار هذه المناورات الجوية؟

مصدر إلهامنا هو كيفية استقطاب انتباه المشاهد خلال الدقائق الـ25 للعرض. نعمل على المؤثرات الصوتية في ما يتعلق بالموسيقى التي ترافق العروض، ونعمل على المؤثرات البصرية من خلال الدخان المتصاعد من الطائرات أثناء المناورات والألعاب النارية في ختام العرض. الدقة في المناورات والتركيز على الأشكال "السيميترية" خلال الرقصات الجوية، عوامل تلهمنا في تطوير عروضنا. الاستعراض هدفنا، وكل مناوراتنا تخدم هذا الهدف.

شغفكم في مهنتكم واضح، ولكن ما الذي يدفع رجلاً إلى المخاطرة بحياته في سبيل ترفيه وإمتاع الآخرين؟

هو الدافع نفسه الذي يقود يحفّز سائق الـفورمولا 1. لا يمكن تحديده، لكن ما معنى الحياة من دون القليل من المخاطرة أو المجازفة؟

ما الدور الذي تؤديه بريتلينغ في فريقكم الجوي؟

بريتلينغ هي الراعي والممول لفريقنا.

اليوم، وبعد مرور 126 عاماً على تأسيسها، تترجم بريتلينغ  قيمها بعروض جوية أخّاذة. قيم قوامها الأداء العالي، والدقة في الحركات، والتصميم المرهف والإبداع في التصميم.

طائرات مواضيع حصرية
loaing icon