أوّل مبادئ أخلاقية في السيارات الذاتية القيادة

منذ اختراع السيارات، طُرح السؤال الأخلاقي الآتي: عند وقوع حادث أثناء القيادة، بمن نضحّي؟ مَن له أولوية النجاة؟ بقي هذا السؤال مدار جدل، وتُركت الإجابة عنه للسائق الذي عليه أن يحدّد تصرّفه عند وقوع طارئ ما. لكن اليوم، ومستقبلاً، لم يعد بالإمكان الهروب من الإجابة، لأنه بات علينا أن نقول للسيارات الذاتية القيادة - خصوصاً عندما ننتقل إلى المستوى الخامس، أي السيارات الذاتية بالكامل - كيف يجب أن تتصرّف في هذه الحالات.

نقاشات وأبحاث كثيرة تعمّقت في هذه المسألة الأخلاقية، وبات لا بدّ من توجيهات أخلاقية تنظّم عمل مصنّعي السيارات الذاتية القيادة، إذ لم يعد ممكناً ترك هذا الأمر من دون قوانين وقيود، في ظلّ الاقتراب بسرعة من دخول السيارات الذاتية القيادة إلى الطرقات بشكل تجاري وإتاحتها أمام الجميع. هذا ما أقدمت عليه الحكومة الألمانية مؤخراً لدى إقرار مجلس الوزراء اعتماد خطة عمل بشأن كيفية برمجة السيارات الذاتية القيادة، بناء على تقرير لجنة الأخلاقيّات المعنية بالقيادة الذاتية، والذي قدّمه وزير النقل الألماني ألكساندر دوبرندت، لتكون بذلك أول حكومة في العالم تضع قوانين أخلاقية بشأن هذه التكنولوجيا. وركّزت اللجنة في تقريرها على المستويين الرابع (الأتمتة العالية) والخامس (الأتمتة الكاملة) من السيارات الذاتية القيادة، وهي السيارات التي ستتوفر في السنوات القليلة المقبلة للناس، واضعة 20 قاعدة أخلاقية على مبرمجي السيارات اتباعها.

البشر قبل الحيوانات والممتلكات، وجميع الناس متساوون ولا يجب التمييز بين من يُضحّى به ومن يتم إنقاذه. هاتان هما أبرز القواعد التي وُضعت في أول دليل أخلاقي لبرمجة السيارات الذاتية القيادة. فبرأي اللجنة، الضرر الذي يلحق بالممتلكات أو الأذى بالحيوانات يجب أن يكون له الأسبقية دائماً على الإصابة الشخصية، وهو ما يرد في القاعدة السابعة. وفي الحالات "المعضلة" التي لا يمكن فيها استبعاد إصابة الأشخاص، تنصّ اللجنة على أنه لا يجوز التمييز على أساس الخصائص الشخصية مثل العمر والجنس والعرق والحالات المرضية لإعطاء الأولوية لأشخاص معيّنين؛ وهذا شرط أساسي في برنامج تقليل المخاطر في حالات الحوادث، إذ يجب أن تبرمج جميع السيارات وفق معيار واحد مفاده أنّ أرواح الناس متساوية. فالمساواة بين الجميع عند وقوع طارئٍ ما هي ما يُتيح للبرنامج اتخاذ الإجراء الذي يضرّ بأقلّ عدد من الناس، وهو المعيار (إلحاق الضرر بأقلّ عدد من الناس) المتّبع لتحديد القرارت التي يجب اتخاذها. وعليه، فإنّ البرمجة المسبقة تقلّل من المخاطر التي يتعرّض لها الجميع بالطريقة نفسها، أي إن سيارة ذاتية القيادة في ألمانيا ستختار صدم أيّ شخص يمكن أن يشكل أقلّ نسبة ضرر، بغضّ النظر عمّا إذا كان طفلاً أو امرأة حاملاً أو عجوزاً.

كذلك أقرّت اللجنة في تقريرها أنه يجب ألا يكون هناك تحييد للضحايا في ما بينهم. وحسمت في القاعدة التاسعة إشكالية أساسية هي أنه لا يجوز التضحية بالأطراف غير المعنية من جانب الأطراف المشاركة في توليد مخاطر التنقل. وبشرط استيفاء هذه الشروط الصارمة، يُمكن تبرير البرمجة العامة لتقليل عدد الإصابات الشخصية ليُصبح الأمر كالآتي: إلحاق الضرر بالممتلكات عوض الإصابة الشخصية، ثم الإصابة الشخصية عوض الموت، ثم أقلّ عدد ممكن من الأشخاص المصابين أو المقتولين.

سيارات ذاتية القيادة مواضيع حصرية
loaing icon