لا تقل لي لامبورجيني، أو تذكر بوجاتي، أو فيراري، أو أي من الشركات العريقة الأخرى في صناعات السيارات. فلا مجال للمقارنة عندما أريد أن أتحدث عن صناعة سيارة سطعت بنور تاريخ صناعة سيارات السباق، في ظل صناعة معاصرة طمسها ظلام حب القوة والعدوانية المبالغ فيها ونسيان جوهر السيارة الحقيقية، في ظل زمن يكمل يوماً بعد يومٍ دفن وجود سيارات محرك الاحتراق الداخلي. فأنا هنا أتحدث عن سيارة لن يفهم الدماغَ الذي فكر فيها ثم جسّدها بأنامله على أرض الواقع إلا القليلون.
جوردون موراي تي 33 سبادير
يتداول الناس أطراف أحاديث السياسة، سواء أكانوا خبراء فيها، أم مجرد هواة يظنون أنهم على يقين بكل شيء. ولكن قلة هم الناس الذين يستطيعون فهم ألاعيبها، فيمتلكون آراء مختلفةً جداً، قد يراهم الناس بسببها أغبياء أو مجانين، ولكن هؤلاء الناس لا يدركون أن هؤلاء "المجانين" يمتلكون نور المعرفة الذي يحجبه كبار السياسيين عن الناس، حتى يسيطروا عليهم ببصيص نور زائف يصنوعنه لهم.
وكذلك هو الحال مع العديد من المجالات الأخرى، منها مجال السيارات. فقلّة هم الناس الذين يبحثون عن سيارة حديثة تحمل إرثها وتتباهى به بفخر. فعندما تنظر إلى السيارة التي في الصورة، إن قلت لي إنها بشعة، فأنت من الناس الذين يظنون أنهم يحبون السيارات، ولكنك لا تحبها في الحقيقة، وإن قلت لي إنها أجمل ما رأت عيناك، فأنت تحب السيارات حباً وصل إلى مرحلة الهوس، لأنك تعرف خفايا خطوط تصميم هذه السيارة. بل أنت تنظر إلى جوهرها وإرثها كما يحب الإنسان انساناً آخر لروحه وليس لشكله.
التصميم الخارجي
إن وردك التساؤل لمَ هي جميلة، سأخبرك من الألف للياء. لقد تم إطلاق نسخة كوبيه من جوردون موراي تي 33 العام الماضي، وقد صُنعت على يد المهندس العظيم، حامل الدماغ الذي ذكرته في البداية، جوردون موراي، الذي صمم ماكلارين اف 1 إحدى أعظم سيارات التاريخ، ومرسيدس ماكلارين اس ال ار، والعديد من سيارات السباق الشهيرة. وعلى الرغم من أن جوردون موراي صرح في إحدى مقابلاته أنه ليس من محبي سيارات السقف المفتوح، ولكنه يمتلك بعضاً منها، كما أنه صرح في السنة الماضية أنه سيتم صنع ثلاثة نسخ من تي 33، منها نسخة سبايدر.
ويتعلق جمالها بالسبب وراء تصميمها، ففي كل بساطة لا تمتلك السيارة بهيكلها أي قطعة لا نفع منها. إذ إنها لا تمتلك أي فتحات إضافية غير مفيدة، أو أي خطوط عدوانية مبالغ فيها لا تنفع بشيء. بل يتبع تصميم مصابيحها الأمامية تصميم سيارات السباق القديمة، حيث تجد داخلها مصباحين، واحداً يعلو الآخر، في زجاجة بيضاوية، على جانبها من جانب الغطاء خط ينصبّ عند فتحة التهوئة الأمامية المسؤولة عن تبريد القطع.
وقد تنظر إلى الوراء، فلا تجد الزجاج الذي يظهر المحرك العملاق العظيم من صناعة شركة كوزوورث، وهو ما سأحدثك عنه في المقطع التالي. ففي نسخة كوبيه، يوجد هذا الزجاج الكاشف، أما في هذه النسخة، فقد وجد المهندس جوردون موراي أنه من الأفضل إزالته، لأنه لن يناسب تصميم سبايدر، ولا يناسب هوية الشركة أيضاً بشكل أو بآخر.
هل تؤثر فتحة سبايدر على الانسيابية؟
وعلى الرغم من أنها نسخة سبايدر، حرصت الشركة على أن السقف القابل للإزالة، والمصنوع من ألياف الكربون، لا يؤثر على قيادة السيارة أو أدائها وسرعتها وانسابيتها. ففي نسخة سبايدر، ازداد الوزن 18 كج، ولكن الشركة عملت على هذه النسخة قبل إصدار نسخة كوبيه لتفادي أي تأثير فتحة السقف السلبي على الأداء، كما يحصل مع العديد من الشركات المصنعة للسيارات الرياضية. كما تلاحظ، مكان الزجاج الأسود الخلفي الموجود في نسخة كوبيه قطعة تغطي المحرك بشكل أفقي ومسطح، ما يسمح تدفق الهواء منها نحو الجناح الخلفي المتكيف، عدا عن مساهمة فتحة التهوئة العلوية المتكيفة أيضاً. وكما أراها تدخل الهواء لتبريد المحرك، ويتدفق أيضاً من الفتحات الصغيرة على غطائه.
محرك كوزوورث بسرعة دوران خالية
ها هنا أحدثك عن أهم جزء في السيارة، وهو القلب النابض. القلب النابض التي صنعته شركة زودت العديد من سيارات السباق بمحركات ساعدتها في كتابة أرقام قياسية على صفحات الفوز المتتالي. وهي ذاتها شركة كوزوورث التي زودت مرسيدس 190E 2.3 بمحركها، وكذلك اودي ار اس 4 بي 5، التي بلغ تسارعها آنذاك أقل من 5 ثواني من 0 إلى 100 كلم/س، وهو تسارع مخيف بالنسبة إلى أي سيارة، بالأخص في عصرها في ذلك الوقت.
تحتوي جوردون موراي تي 33 سبايدر على محرك 12 اسطوانة تنفس طبيعي، وأكرر "تنفس طبيعي" لأن مسمعها في أذن خيالي عذب جداً في هذه الأيام، سعته 3.9 لتر، ويولد قوة 607 حصان. والمدهش أن المحرك قادر على بلوغ سرعة 11100 RPM، رقم لا يمكنك تخيله على شاشة عداداتك.
وقد تقول لي إن 607 حصان ليس بعدد كبير، فأرد عليك بالتالي: أولاً، تركز الشركة على متعة القيادة، وليس القوة المبالغ فيها والتيربوهات والعدوانية، إذ حتى في القوة والتصميم تريد الابتعاد عن العصرنة، بل التركيز على متعة القيادة الحقيقية. فوزن السيارة لا يتعدى 1100 كج، وإن لم يعنِ لك الوزن شيئاً، قارنه بسيارات فيراري ولامبورجيني. كما أن السيارة تأتي مع ناقل حركة عادي، متوفر اوتوماتيكي كخيار.
وعندما تفكر في الأمر ملياً، كيف لمحرك بهذا الكبر، ولكن بسعة صغيرة كهذه، أن يولد هذه القوة؟ سعته صغيرة، أي لا بد أن حجمه أصغر من المألوف كمحرك V12. وسعته 3.9 لتر، أي ما يعادل سعة محرك بورشه جي تي 3 الجديدة، ذات محرك 6 اسطوانات تنفس طبيعي بسرعة 9500 RPM، المحرك العظيم الذي دهش محبي السيارات. فما عليّ إلا أن تخيلته متجزئاً إلى 12 اسطوانة، بذات السعة، ولكن ضعف كمية الاحتراق، لأحصل على قوة 607 حصان.
داخلية صُنعت لإمتاع سائقها
بامتلاك محرك مجنون كهذا، لا بد أن ترغب في سماع صوته الصارخ حتى يبلغ سرعة الدوران "اللامنطقية"، فوضعت الشركة وراء مسند رأس الركاب زجاجاً قابل للفتح، حتى يغني لك المحرك مقطوعته الموسيقية.
وعند الجلوس في داخلها، لا وجود لأي شاشة، ولا لأي أزرار لمس، بل أزرار قليلة جداً تلبي أساسياتك، أزرار تشبه أزرار السيارة القديمة، تقوم بتدويرها كالساعة.
وأجمل ما في الأمر هو الأبواب القابلة للفتح نحو الأعلى، ووراؤها الجوانب القابلة للفتح أيضاً. فأكثر ما نفتقده في سيارات خارقة هي مساحة التخزين، ولكن هذه السيارة ذات الوزن الخفيف تتسع أكثر من غيرها، فهي تمتلك مساحة تخزين أمامية، ومساحتي تخزين جانبيتين فوق الإطارات، حيث الجوانب القابلة للفتح، وهو أمر غير مألوف، أمر آخر يميزها عن السيارات الرياضية الأخرى.
100 نسخة فقط بسعر مخيف
سيتم صنع 100 نسخة منها فقط، وقد صرح جورون موراي في مقابلةٍ أن شركته تحب صناعة 100 نسخة من كل طراز، ليشعر الزبائن بتميز السيارة. ولكن ما عساي أن أقول له غير أن كل تحفة يصنعها مميزة بطريقتها الخاصة، باتباعها للتصاميم الكلاسيكية، وبمحركاتها الضخمة القوية، وتجربة قيادتها الفريدة، وهندستها التي لا مثيل لها في العالم، لأن مهندسها هو جوردون موراي، وفخامة الاسم تكفي ليتهافت عشاق السيارات لشراء سياراته على الرغم من أن أسعارها تبلغ الملايين. إذ إن سعر تي 33 سبادير يبلغ حوالي 2.5 مليون دولار، وعلى الأرجح بيعت النسخ الـ100 كلها.
اقرأ أيضاً: ميزة جنونية تظهر في أول صورة لخليفة ماكلارين F1!