السيارة من دون سائق موجودة. فالتكنولوجيا المتعلقة بطريقة عمل هذه السيارة طرحتها كلّ شركات السيارات في مناسبات عديدة. ففي الاجتماع العام السنوي لشركة أودي مثلاً، قاد رئيس الشركة روبرت ستادلر طراز A7 عبر جهاز آيفون الخاص به، في حين أخذت بي ام دبليو الصحافيين في نزهة على الطريق السريعة في ألمانيا في طرازات تتميّز بقدرتها على التنقل من ممرّ إلى آخر بشكل أوتوماتيكي، من دون الحاجة إلى تدخّل السائق. أما مرسيدس فطرازها الفئة S يعمل من دون سائق وقابل للإنتاج والتسويق. إذاً، التكنولوجيا متوافرة للانطلاق أو لإعلان دخول عالم صناعة السيارات عقداً جديداً وفلسفة جديدة في استخدام المركبات. فـسوبارو مثلاً، كانت قادرة على إنتاج سيارة من دون سائق منذ عشرات السنين، ولكنها لم تفعل. فما الأسباب التي تؤخّر دخول هذه النوع من السيارت حيّز الإنتاج؟
الإنسان أفضل
لماذا؟ الجواب: لأنّ الإنسان يعرف كيف يتعامل مع سائق سكران أو مع أيّ مخالف لقانون السير ومع أيّ مشكلة ممكن أن يصادفها على الطرقات. لكن التكنولوجيا الحديثة، ومهما تطوّرت تقنياتها لن تتمتّع بذكاء الإنسان وقدرته على تحليل الوقائع واختيار التصرّف المناسب للحالة التي يواجهها. فالطرق بيئة معقدّة، لا يمكن التنبؤ بكلّ الحالات والمفاجآت التي يمكن مصادفتها خلال القيادة، وبالتالي لا يمكن إدخالها أو حصرها في برامج إلكترونية تحتمّ على آلة أو مركبة ما ردة فعل معيّنة. فالإنسان متكيّف، ويمكنه ابتكار ردّة فعل مناسبة لأيّ حالة، حتى لو لم يصادفها من قبل. فالفارق ما بين الإنسان والآلة قدرة التحليل لمصلحة الأول. لكن الآلة وبرامجها تسبق الإنسان في سرعة ردّة الفعل. ففي ظلّ هذا الحديث، تعتبر السيارة من دون سائق خطيرة في الاستخدام، لأنّها غير مبرمجة على مواجهة كلّ أخطار الطرق بردة فعل مناسبة، ما قد يشكلّ خطراً أكبر على السائق والركاب، لأنهم يعتبرون أنّ السيارة قادرة على التكيّف مع كلّ شاردة وواردة على الطريق، فيثقون بها ولا يتأهبون لتفادي الأخطار. أما إذا كان الإنسان متحكماً بالمركبة، فمهما واجه من مفاجآت سيتمكن من تفادي الكارثة قدر المستطاع. لذلك يعتبر هذا النوع من السيارات غير آمن.
السيارة من دون سائق غير شرعية
وفق اتفاقية فيينا لعام 1968، على السائق أن يكون، وفي كلّ الأوقات، قادراً على التحكّم والسيطرة على سيارته. وحول هذه المسألة تختلف الدول في شرحها. فبالنسبة للدولة الألمانية، السيارة من دون سائق مخالفة لاتفاقية فيينا. أما الأسوجيون فيعتبرون هذا النوع من السيارات لا يتناقض مع تلك الاتفاقية، لأن الأخيرة تشير إلى قدرات السائق وليس السيارة. فلذلك لا يوجد مانع من السماح للسيارات من دون سائق بالتجوال في شوارعها. وما الذي يزيد الأمر صعوبة هو أن معايير السلامة المرورية تختلف من بلد لآخر، ومن قارة لأخرى. فكيف يمكن الإجماع على فكرة أن السيارات من دون سائق آمنة للاستخدام ولا تهدّد السلامة العامة في الأماكن العامة؟ عملية تشريعية معقدة تنتظر حكومات الدول.
إذا وقع حادث، فمن يتحمّل المسؤولية؟
أين تبدأ القيادة الأوتوماتيكية للمركبة (Autonomous driving)، وأين تنتهي سلطة السائق على مركبته؟ وإذا وقع حادث فمن يتحمّل المسؤولية؟ السائق أم السيارة؟ كيف ستتعامل شركات التأمين مع هذا الموضوع؟ فإذا وقع حادث، وكانت السيارة تقود نفسها، فهل يتحمّل الصانع مسؤولية الحادث مثلاً؟ أسئلة عديدة لا جواب عليها حتّى الآن، ما يعني أن المشوار التشريعي الخاص بهذا النوع من السيارات ما زال طويلاً جدّاً. لذلك يتمّ التريّث قبل إطلاق هذا النوع من السيارت في الأسواق العالمية.
نحن بحاجة إلى نظام شامل
نظام يزود كلّ سيارات العالم بهدف التواصل فيما بينها. فإذا أصبحت السيارات من دون سائق، فعليها أن تعرف ما الذي تفعله السيارات المحيطة بها على الطرق، حتى المركونة منها، ما يسمح بتحديد طريقة ردات فعلها وتفاعلها أثناء القيادة. وهذا يتطلب تطوير برنامج موحد لكل شركات السيارات. وهنا نطرح عدّة تساؤلات. كيف ستتمكّن هذه السيارات من قراءة إشارات السير، إذا اختلفت من بلد إلى آخر؟ هذا يعني أنه من الواجب أن تنطلق ورشة كبيرة بخصوص قوانين السير في العالم لكي تكون موحدة لكل الدول، بهدف تسهيل برمجة السيارات من دون سائق على قراءة إشارات السير. بمعنى آخر، يجب أن يقرأ النظام في كل البلدان نفس لغة الإشارات. تخيّلوا للحظة لو كان على كل صانع إنتاج نفس فئة السيارات من دون سائق طرازات مخصّصة ببرمجة خاصة لكل بلد... لأعلن إفلاس العديد بينهم!
خطر القرصنة
بعد حادث سير أدى إلى اغتيال صحافي في أمريكا، تبيّن في التحقيق أنه تمّ قرصنة النظام المعلوماتي في داخل السيارة، بحيث أصبح التحكم بها موجّهاً من الخارج عبر جهاز. وهذا في سيارة عادية. وكلّما زاد عددٌ، أو كلما هيمنت الأنظمة المعلوماتية أكثر في صناعة السيارات زاد خطر قرصنتها وانعكاس الأمر سلباً على سلامة الركاب، بحيث تصبح المركبة عرضة أكثر إلى القرصنة تماماً مثل أيّ جهاز كومبيوتر. فإذا لم تكن السيارات من دون سائق بمنأى عن هذا الموضوع، فلن تبصر النور أبداً. لكن قد يستفاد من خبرة أنظمة مشابهة تتحكم بالقطارات من دون سائق الموجودة حالياً في بعض الدول، والتي لم يتمّ قرصنتها حتى الآن.
فهل نحن جاهزون لتحدّ مماثل؟