تُعد المصانع هي الابتكار الأكبر للثورة الصناعية لقدرتها الهائلة على الإنتاج اليومي بشكل مستمر، ولكن محدوديتها تقع في عدم القدرة على إعادة برمجتها لصنع منتجات مختلفة، حيث يجب إحضار آلات مختلفة لتصنيع أجزاء مختلفة، وهذا هو السبب خلف غلاء المنتجات فور البدء بتصنيعها وانخفاض سعرها لاحقاً، وهنا يأتي دور الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D printing) التي يرى الكثيرون أنها الثورة الصناعية التالية.
تتميز الطابعات ثلاثية الأبعاد بمدى مرونتها في القدرة على طباعة مختلف المنتجات والأجزاء، فلا يتطلب الأمر سوى تغذيتها بالرسم النموذجي لما يود المستخدم صنعه والمادة الضرورية لصياغة المنتج، حتى تبدأ عملية الطباعة.
في عام 2016، تم تأسيس شركة ديسكتوب ميتال (Desktop Metal) التي من قِبل أحد رواد الأعمال وعدد من أساتذة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الشهير لأجل صنع طابعات ثلاثية الأبعاد قادرة على طباعة أجزاء معدنية، وهو ما جذب عدد من شركات السيارات الكبرى مثل بي ام دبليو وفورد للاستثمار بها رغبة في ريادة استخدام هذه التقنية في صناعة السيارات المستقبلية، وهنا بدأت الثورة المنتظرة لهذه الصناعة بالظهور حقاً، فكما قلنا، نظراً لكون الطابعات ثلاثية ابعاد تستخدم مواد مثل البوليمر والبلاستيك، فهي لم تكن مناسبة لصنع العديد من المنتجات المفيدة بالفعل سوى بعض النماذج الصناعية فقط.
للدلالة على مدى تطور الطباعة ثلاثية الأبعاد حالياً، يمكننا النظر إلى صناعة السيارات، فقد بدأت مرسيدس بالفعل في استخدام التقنية لأجل صنع قطع غيار أصلية لسياراتها الكلاسيكية التي يمتلكها محبي جمع السيارات ويعانون من إيجاد قطع لها لا تقوم بتقليل قيمتها، بينما تقوم رولز رويس حالياً باستخدام 8 مكونات مطبوعة في مختلف موديلاتها الفاخرة، ولكن تفخر بي ام دبليو حالياً بكونها صانعة السيارات الرائدة باستخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، فقد بدأت في ذلك منذ عام 2010، وقد بلغت هذا العام إلى طباعة القطعة رقم مليون.
كما قامت منظمة كلين تو أنتارتيكا (Clean2Antarctica) البيئية مؤخراً بطباعة مركبة تعمل بالطاقة الشمسية من المخلفات البلاستيكية، وذلك من أجل الترويج للحفاظ على النظام البيئي للقطب الشمالي.
في النهاية، يمكننا القول بأن الطباعة ثلاثية الأبعاد لن تحل محل المصانع بشكل كامل خلال العشرون أو الثلاثون عاماً القادمة، حيث أن هذه المنشآت ستظل دائماً هي الملجأ الرئيسي للإنتاج الموسّع الذي يؤدي لتخفيض ثمن المنتجات مع خفض تكاليف التشغيل، ولكن الطباعة ثلاثية الأبعاد ستكون أكثر شعبية للغاية من الآن، وهو ما يعني أن المصممون سيكونون ذو أهمية أكبر من العاملين بمجالات صيانة وتشغيل الآلات، إضافة إلى القدرة على جعل مختلف المنتجات تناسب الاحتياجات الشخصية للمستهلكين بشكل أفضل عبر القدرة على تعديلها بشكل ثلاثي الأبعاد مع تقليل الحاجة للكثير من المخازن، إضافة لتصغير الأراضي الكبيرة اللازمة لإنشاء المصانع.