في كلّ مرة أعلق فيها في زحمة السير، لا يمكنني إلا أن أحدّق بالسيارات العالقة أيضاً من حولي، لأبدأ بتركيب قصص حول شخصية سائقيها. تمرين يهدر الوقت ويدفعك إلى السؤال عما إذا كنّا فعلاً نمثلّ صورة السيارة التي نقودها، فمن السهل الحكم على الكتب من غلافها... والناس عبر ملابسهم، والمنتجات الاستهلاكية من شكلها وطريقة عرضها في المتاجر.
الأكيد أن الصورة تعني الكثير، وهي العنصر الأهمّ في الحكم على الأشياء والأشخاص. ففي أيامنا هذه، يبيعنا الإعلان الصورة المثالية لأصناف قد لا تكون في مضمونها نافعة أو ذات جودة عالية، ما يؤدي بالمستهلك إلى شرائها، بغض النظر عن مضمونها، لأن صورتها جميلة وترمز إلى موضة جديدة مثلاً. ففي أغلب الأحيان، يقوم المستهلك بشراء صنف ما فقط، لأنه من ماركة معروفة غير آبه بمضمونه. فما يهمّه هو مجاراة الموضة.
وبالعودة إلى عالم السيارات، المسألة لا تختلف كثيراً. النموذج الأبرز في مجتمعاتنا العربيّة يظهر جليّاً عبر النظرة التي تكوّنها بعض النساء عن الرجال، وفق طراز أو نوع السيارة التي يقودها. فإذا كان الرجل يقود سيارة جديدة، ذات ثمن باهظ، فيصنّف من الأفراد الذين يحبون أن يكونوا حديث الناس ومصدر اهتمامهم ومن النوع الذي يتمتّع بالتباهي بثروته، وبالتالي هو مصدر أمان للعديد من النساء. ولكن في الوقت نفسه يمكن تحليل شخصية هذا الرجل على نحو مختلف. بمعنى آخر، الرجل الذي يقود سيارة جديدة باهظة الثمن لا يعني أنه يحبّ التباهي بل على العكس تماماً، إذ قد يكون اقتناؤه سيارة من هذا النوع هدفه المحافظة على مكانة اجتماعية معيّنة، أو بسبب توليه منصب مهني مهمّ، يفرض عليه قيادة سيارة من هذا النوع.
لكن، لنضع الأفكار المسبقة جانباً، ولنتطرّق إلى البعض من تفاصيل السيارة التي ـ إن توافرت ـ قد تكشف للغير البعض من شخصيتك.
اللون
الرمادي: يرمز إلى الاعتدال، وهو لا أبيض ولا أسود، فيظهر نوعاً من اللامبالاة. ففي كلّ تفرّعات هذا اللون، من الداكن إلى الفاتح، يختاره الأفراد لوناً لسيارتهم، وهم أشخاص لا يحبون الالتزامات الطويلة الأمد، كما أنهم لا ينخرطون في علاقات عميقة مع الغير على الصعيدين الشخصي والاجتماعي.
الأسود والأبيض: سنتطرق إليهما سوياً، لأنهما يمثلان التناقض في شكل متطرّف. ففي حين يرمز اللون الأسود إلى العدم، يأتي اللون الأبيض ليناقضه تماماً، وليرمز إلى الحياة. لكن اللونين يرمزان إلى الغموض والمعاني الدفينة. فالأفراد الذين يختارون أحد هذين اللونين هم أشخاص غامضون بعض الشيء، وأنيقون، ويتركون أثراً أينما حلّوا.
الأحمر: يرمز هذا اللون إلى الطاقة، والحيوية، والنشاط، والرغبة، والجوع إلى الحبّ. كذلك يرمز إلى الدمّ، والرجولة ورغبة السيطرة. إنه شعلة روح الإنسان. فكل من يختار هذا اللون يعتبر إنساناً محبّاً، ونشيطاً، وطموحاً، ويتمتّع بشخصيّة قوية.
الأصفر: يرمز إلى السعادة، والفرح، والانفتاح، والحرارة. فاللون مريح، هادئ، ويخفي رغبة في التغيير. الأفراد الذين يختارونه لوناً لسياراتهم هم أشخاص اجتماعيون، يحبون الكلام، فرحين، ويتمتعون بشخصيات متغيّرة، ولديهم أصدقاء كثر ويحبّون التغيير.
الأخضر: يرتبط معنى هذا اللون بالطبيعة والنمو. كذلك يمكن أن يرمز إلى الرغبة في الحصول على وضع صحيّ أفضل ودقة في الكشف والتدقيق بالوقائع. فالأفراد الذين يختارون هذا اللون هم أشخاص متفائلون، حازمون في مواقفهم، دقيقون في كل عمل يقومون به، ويتمتعون بذاكرة قويّة، وثابتون في خياراتهم، ويتمتعون بثقة بالنفس عالية جداً.
الأزرق: رمز الهدوء والتضامن. إنه لون السماء والمحيطات. فاللون الأزرق يريح الأعصاب ويوفر نوعاً من الراحة. الأفراد الذين يختارون هذا اللون لسياراتهم هم أشخاص مسالمون، وهادئون وراضون عن أعمالهم وحياتهم التي تتميّز بدرجة عالية من الاستقرار.
البنفسجي: هو مزيج من الأحمر والأزرق، ويعدّ مزيجاً من الرغبة في السيطرة والهدوء. كذلك يرمز هذا اللون إلى التضامن، والرغبة، والسحر والجاذبية. فالذين يختارون هذا اللون لسياراتهم هم أشخاص يشعرون بعدم الأمان، وضعفاء، ينظرون إلى العالم وكأنه مكان ساحر، وهم بحاجة دائمة إلى الموافقة على كل قرار ينوون اتخاذه.
نظافة السيارة
إن كانت سيارتك متّسخة فهذا يعني أنك إنسان غير مسؤول. فالفرد الذي يقود سيارة متسخة هو شخص غير مسؤول. أما بالنسبة للنساء اللواتي يقدن سيارات متسخة فهذا يعني أن الأعمال المنزلية ليست من أولوياتهنّ، بسبب قلة المسؤولية بالاعتناء بنظافة سيارتهن. فإذا كنت لا تهتمّ كفاية بسيارتك، فهذا يعني أنك لا تهتمّ بأمور أخرى كثيرة. أمّا إذا كانت السيارة نظيفة، ولكن بقيت بعض أجزائها متّسخة، فهذا يعني أن الفرد لا ينتبه إلى التفاصيل. وبالتالي قد يكون إنسان سطحيّ في التعاطي، على عجلة من أمره، ولا يتمم مهماته في شكل كامل. أما الذين يقودون سيارة نظيفة بالكامل، فهم من الذين يعملون على تحسين واقعهم في الحياة، والذين هم في بحث دائم عن الأفضل. كذلك هم أشخاص من الصعب إرضاؤهم بسرعة، وبأيّ شيء، لأنّهم يدققون في أصغر التفاصيل ولديهم قيم ومعايير عالية من الصعب بلوغها بسهولة.
حجم السيارة
تعدّ السيارات الصغيرة الحجم عملية وملائمة للتنقل في داخل المدن وشوارعها الضيّقة، كما أنها سهلة الركن. فالمستهلك، الذي يختار هذه الفئة من السيارات، يستخدمها عادة يومياً للذهاب إلى العمل، وبالتالي يتمتع بحسّ كبير من البراغماتية. كذلك يمكن لاقتناء هذا النوع من السيارات أن يعكس خوفاً من القيادة ومن ازدحام السير. فكلّما صغر حجم السيارة كانت قيادتها أسهل. أما السيارات المتوسطة الحجم، أي التي ليست كبيرة ولا صغيرة، فتصلح للمدينة كما تصلح للرحلات البعيدة، فتعكس الطابع العملاني لمالكها، الذي يفضّل توافر ميزات عديدة في منتج واحد. في ما خصّ السيارات الكبيرة الحجم، تعكس الطابع الفريد، والأنيق، والسلطوي لمالكها. فمن يقود هذه الفئة من السيارات هو من الأشخاص الذين يحبّون عائلاتهم وقضاء أوقات معهم وإبراز هذه المحبة إلى العلن.
تجهيزات السيارة
كلما كانت مكمّلات السيارة قليلة، دلّ ذلك على أن مالكها متواضع، وحرّ، وغير مستعبَد من متطلبات الموضة، أو قد يعني هذا أن الشخص لم يطوّر بعد أسلوب خاصاً به. لذلك يفضلّ إبقاء الأمور بسيطة. أما كلما زادت مكملات السيارة، دلّ ذلك على أن مالكها يحبّ التغيير، ويتمتع بشخصية قوية، ولا تهمّه انتقادات الغير، كما أنه لا يمكن مناقشتهم بعكس ما هم مقتنعون به.
ولا ننسى أن اختيار هذا النوع من السيارات يعكس قدرة مالكها على القيام بما يحلو له في حياته.
عناصر عديدة تساعد في التعرّف إلى شخصية مالكي السيارات. ولكن في لبنان قد لا تنطبق كلها، لأنه بسبب ارتفاع التكلفة الجمركية على استيراد السيارات، في مقابل تدنّي مستوى المعيشة، فإن المواطن يختار السعر أولاً وأخيراً. أضف إلى ذلك أن أسطول السيارات المستعملة أصبح بأغلبيته باهظ الثمن. فصورة أن المستعمل يتوجه إلى ذوي الدخل المحدود أصبح من الماضي. وفي لبنان أيضاً "شوفة" الحال تطغى، لذلك نرى أنّ معظم الناس يقودون سيارات ألمانية فخمة، لأنها تعكس صورة للعزّ والثروة المفترضة، مهما كانت حالها الميكانيكية مستعصية.
إذاً، ما الذي تقوله سيارتك عنك؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن السيارة ليست قيمتها فقط في ثمنها، ولكن في المشاعر التي توقظها فيك وتجذبك نحوها. ففي اختيار سيارة هناك مكانة مهمة لشخصيتك والصورة التي تريد أن تبرزها عنك. إذاً، انتبه ألا تخدع الناس بأوهام لا تمت بصلة إلى من أنت... فأول انطباع يبدأ من نظرة إلى سيارتك...
