الضاغط الحجمي... هل يرجع يوماً؟

تعتمد معظم المحركات على الضغط الجوي الطبيعي لإدخال الهواء إلى غرفة الاحتراق. ولكن البعض الآخر يستخدم الضاغط الحجمي (سوبر تشارجر) أو شاحن الهواء لتلك الغاية.  فماذا نعني بالضاغط الحجمي و شاحن الهواء، ولماذا نستخدمهما في صناعة المحركات؟

يمكن اعتبارهما بمثابة مضخة هواء تدخله بقوة في داخل أسطوانات المحرك عوض الاعتماد على الضعط الجوي للقيام بتلك المهمة. هكذا، وبفضل تلك التقنية، يمكن أن تستفيد المحركات الصغيرة من كميّة هواء تكون مماثلة لتلك التي تدخل المحركات الكبيرة الحجم ذات السحب العادي (أي التي تعتمد في عملها، كأغلبية المحركات، على الضغط الجوي)، فتحرق كمية وقود أكبر، وتولد قوة إضافية، وتزيد من عزم الدوران.

لكن لهذه العملية وجهاً سلبيّاً، يتمثل بخسارة البعض من طاقة المحرّك، عندما يستخدم الضاغط الحجمي وشاحن الهواء. فعمل هذين الجهازين يستتبع استهلاكاً للطاقة، يتمثل في عمل الضاغط الحجمي عبر جهاز تعليقه الميكانكي، وشاحن الهواء عبر خلق ضغط مضاد لضغط المحرّك، عند انبعاث الهواء المحترق من غرفة الاحتراق باتجاه العادم (ضغط العادم). فعلى المحرّك العمل بعكس هذا الضغط، فيستهلك طاقة إضافية لايكون بحاجة إليها عندما يُشغل على السحب العادي. ولكن بالرّغم من استهلاك الجهازين طاقة إضافية من المحرك، فقد أثبتت التجارب أنّ شاحن الهواء هو الأقلّ استهلاكا لهذه الطاقة مقارنة بالضاغط الحجميّ، ما يُفسّر غياب هذا الأخير عن عالم المحركات. أضف إلى ذلك أنّ شاحن الهواء هو الذي تلازم اسمه مع المحركات الصغيرة، بعكس الضاغط الحجمي، الذي ظلّ اسمه مقروناً بالمحرّكات الكبيرة التي خُرقت من شاحن الهواء، إذ زوّد بعض الصانعين محرّكاتهم الكبيرة بشاحني هواء بدل الضاغط الحجمي. إذاً، منافسة ما بين هذين الجهازين فاز بها حتى الآن شاحن الهواء. فمع تركيز الشركات على تصنيع المحركات الصغيرة، هل يدخل الضاغط الحجمي عالم النسيان؟ وهل استبدال بعض الطرازات مثل الـ "ميني كوبر اس" للضاغط الحجمي بشاحن الهواء يُشكل الخطوة العملية لترجمة نهاية الأول؟

شاحن الهواء (تيربو)

هذا الواقع استدركه، ولو متأخراً، صانعو الضاغط الحجمي، وعلى رأسهم شركة "Eaton"، وهي الأضخم في هذا المجال. ففي عام 2010، أطلقت تلك الشركة ضاغطاً حجميّاً جديداً، يعمل بتصميمTwin Vortices. هو عبارة عن مشغلين يعملان بطريقة ميكانيكية، ويتشابهان وباستا الـ Fusilli بالشكل. كل مشغل يحوي أربع شفرات قريبة جداً من بعضها البعض، ولكن دون أن يحصل احتكاك بينها أثناء التشغيل. وهذا التقارب بين شفراتها، أثناء تشغيلهما، هو الذي يساهم في التقليل من استهلاك الوقود بنسبة 10% مقارنة بطرازات الضاغط الحجمي السابقة.  كذلك يأتي الضاغط الحجمي بتصميم Twin Vortices أصغر حجماً وأخفّ وزناً من أسلافه، وأكثر حماية للمحرّك مقارنة بمنافسه اللدود شاحن الهواء؛ بمعنى أنّ عمل شاحن الهواء يعتمد بشكل أساسي على الحرارة التي ينتجها الغاز الخارج من غرفة الاحتراق. فكلما زادت حرارته، تضاعفت كمية الطاقة التي يحويها، فيؤدي ذلك إلى تجاوب أفضل لشاحن الهواء. لكن المحرك إذا عمل على دوران منخفض بشكل بطيء وناعم، نشهد انخفاضا في الطاقة، بسبب عدم بلوغ الغاز الحرارة المطلوبة لتشغيل شاحن الهواء بفاعلية، فلا يستجيب هذا الأخير سريعاً، فنقع في لحظة فراغ في عمله، أي ما هو معروف باسم Turbo Lag. أما الضاغط الحجمي الجديد بتصميم Twin Vortices فلا يعتمد على ضغط العادم في عمله، وليس بحاجة إلى طاقة كبيرة تولدها حرارة مرتفعة للغاز، نتيجة تشغيل المحرك بضغط مستمر على دوران مرتفع. لا، بل يمكن مع الضاغط الحجمي الجديد تشغيل المحرك على دوران منخفض، ما يخفف من الاحتكاك الداخلي لمكوناته، والتخلص من أيّ فراغ في عمله. وهذا الأمر ينعكس إيجاباً على طول حياة المحرّك، ويخفّض من استهلاك الوقود. تجاوب سريع يوفره الـTwin Vortices كلما احتجت إليه أثناء قيادتك سيارتك، ومهما بلغ عزم دوران المحرك.

إذاً، بفضل تطوير هذا التصميم الجديد للضاغط الحجمي من حيث الشكل والوزن والاقتصاد في استهلاك الوقود والفعالية على درجات دوران المحرك كلها، استطاع هذا الجهاز دخول عالم المحركات الصغيرة لمنافسة شاحن الهواء في صميم عالمه، إذ نراه مثلاً يزوّد محرك فولكس واجن سعة 1.6 لتر، حيث تسخدم شركة Eaton ضاغطاً حجمياً، بالتزامن مع شاحن هواء، لتكوّن ما يعرف بالـTwin Charger. كذلك استخدمت جاكوار ولاند روفر الجيل السادس من Twin Vortices لتزويد محركهما المؤلف من ثماني أسطوانات على شكل سبعة تبلغ سعتهما 5 لترات. أودي بدورها حذت حذوهما، وزوّدت محركها V6، سعة 3 لترات بالضاغط الحجمي عينه.  ومن السيارات التي زودت بالجهاز الجديد من شركة Eaton نيسان ميكرا، وسعته 1.2 لتر التي بفضل الضاغط الحجمي توفر الأداء نفسه الذي تتمتع به محركات الـ 1.5 لتر، ولكن مع نسبة التوفير في الوقود الخاصة بمحركات الـ1.2 لتر.

وهكذا، من المتوقع أن تزوّد طرازات لاحقة بضاغط حجمي الذي انتقل من عالم المحركات الكبيرة، التي تذوّب الطرق خوفاً من تأديتها الصاروخية، إلى عالم جديد بالكامل، لم يعرفه من قبل، يتيح للمحركات الصغيرة التمتع بالتأدية نفسها التي لطالما ميّزت السيارات ذات المحركات الضخمة، ولكن بهدف اقتصادي، وللحفاظ على البيئة. فعلى عكس ما يظنه البعض، الضاغط الحجمي لا يكتب آخر فصوله فحسب، إنما يؤرخ لحقبة جديدة وتاريخ حديث قي صناعة المحركات يكون هو محورها بعيداً عن عنتريات الماضي.

سيارات مواضيع حصرية
loaing icon